عوامل مختلفة أدّت إلى اندثار حكم القانون في المجتمع اليمني، لا سيّما مع تصاعد الحرب الدائرة في البلاد. ومن تلك العوامل اختفاء العناصر الأمنية في أقسام الشرطة وضعف أداء النيابات العامة والمحاكم في معظم المناطق اليمنية من جرّاء الحرب وانقطاع الرواتب منذ شهور عدّة.
وأمام عجز الدولة عن أداء وظيفتها لبسط سلطة القانون في مناطق اليمن، أضحى العرف القبلي أفضل الطرق لفضّ نزاعات المجتمع اليمني في المدن والمناطق الحضرية، بعدما كانت المجتمعات البدوية والريفية هي التي تحافظ على الاستقرار والتماسك المجتمعي داخلها باعتمادها الأعراف القبلية كمرجع لحلّ الخلافات.
عبد السلام عبيد من أبناء المدن الحضرية، كان واحداً من المنتقدين الذين يعدّون القبائل سبباً من أسباب عدّة تؤدّي إلى عدم الامتثال للقانون، لكنّ الحرب بحسب ما يقول "أرغمت كثيرين من سكان تلك المدن على اللجوء إلى الطريقة القبلية في فضّ النزاعات، نظراً إلى فعاليتها في هذه البيئة". يضيف عبيد أنّ "مجتمعات ريفية كثيرة في الشمال، مثل محافظات عمران وحجة وريف صنعاء، ما زالت تتمتّع باستقرار أمني على الرغم من غياب الدولة أو السلطات القانونية إلى حدّ كبير، فيما نسب التعليم والتنمية فيها متدنية". ويشير إلى أنّ "المشهد الأمني يختلف تماماً في مدن تفتقر إلى بسط سلطة القانون مثل صنعاء وعدن وإب وتعز حيث تتكرر الجرائم الأمنية أو الخلافات المجتمعية بصورة متزايدة. ويرى بعض الأطراف في غياب القانون وتوقف عمل المحاكم فرصة لممارسة الأعمال الاستغلالية والفوضوية من أجل الحصول على مكاسب غير شرعية".
مذ اندلعت الحرب الأخيرة في البلاد، نزحت إلى المدن عشرات آلاف الأسر الريفية ومعها زعاماتها القبلية التي تعدّ مراجع في الأعراف القبلية فيحتكم إليهم أطراف النزاع. ويشرح المواطن وضاح الأرحبي أنّ "المعنيين يمثلون أمام تلك الزعامات شارحين قضاياهم، فيما يضع كل من أطراف النزاع قطعة سلاح واحدة أو عدداً من القطع بحسب حجم القضية، كتأكيد قبلي على احترام الحكم أياً كان والاستعداد لتنفيذه". يضيف الأرحبي الذي يؤيّد "ضرورة الرجوع إلى العادات والتقاليد بهدف تنظيم الحياة بين اليمنيين حتى تعود الدولة"، أنّه "حين يقع خلاف بين فردَين أو طرفَين، يُصار إلى الاحتكام إلى كبير الأسرة أو شيخ القبيلة وأحياناً عاقل الحيّ في المدن. ويعرض كل معنيّ قضيته، وبناءً على أقوال الطرفَين والشهود والأدلة يصدر الحكم النهائي، وعلى الجميع الإذعان له". ويشير إلى أنّ "الشيخ أو المحكّم يؤدّي دور القاضي في المحكمة".
وقد شجّع هذا الأمر في الآونة الأخيرة زعماء الأحياء (عُقّال الحارات) في صنعاء والمدن الحضرية الأخرى على أداء تلك الأدوار، بدلاً من بقائهم مجرّد همزة وصل بين الأحياء وأقسام الشرطة والنيابات والمحاكم. وبهدف تعامل الناس مع هؤلاء الزعماء واعتبارهم محكّمين، يجب أن يكون هؤلاء على معرفة تامة بأحكام العرف القبلي والشرعي وموجباته وحالاته وعقوباته.
من جهته، يشير الشيخ القبلي حسين العليي إلى أنّ هذه الأحكام باتة وغير قابلة للاستئناف وسريعة التنفيذ بالمقارنة مع تلك الأحكام التي تصدرها المحاكم. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "العرف القبلي يعالج كل الخلافات والنزاعات المدنية، مثل المشاكل الأسرية وعلاقات الزواج والشتم والتشهير، وكذلك الشؤون الجنائية التي ينتج عنها عنف مثل الاعتداء والسرقة، والحالات غير العمدية كالتسبب بإصابات جسدية أو صحية من دون قصد. ويُستثنى من ذلك القتل بأنواعه، فيُحال إلى الجهات الحكومية المعنية".
وفي حين تقترب أحكام المحكّمين من الأحكام القانونية بصورة لافتة في المنازعات المدنية، فإنّ أحكام المنازعات الجنائية تختلف كلياً عنها. ويوضح العليي أنّ "كثيرة هي الحروب التي عاشها اليمن، وكلما وقعت حرب تنهار الدولة معها، فيسيّر الناس أمورهم الحياتية بناءً على العرف القبلي الذي يحافظ على المجتمع ويحدّ من انتشار الجريمة وظلم الفقراء والضعفاء".
ويشدّد على أنّ "العرف القبلي يهتم بحقوق المواطنين الضعفاء مثل المهمّشين والنساء وصغار السنّ"، قائلاً إنّ "عقوبات بغرامات مالية كبيرة تُفرَض على الفرد في القبيلة الذي يرتكب جريمة عنف ضدّ فرد من المهمّشين أو من فئات قبيلة أدنى مستوى، يعمل عادة في مهن بسيطة مثل الحلاقة والجزارة وخدمة أفراح الأعراس".
ولا تُفرَض عقوبات مثل السجن والإعدام في الحلول القبلية، بل هي عقوبات نقدية ومعنوية. وعادة، تكون العقوبة المفروضة على الأطراف المختلفة بعد صدور قرار التحكيم ذبح حيوانات (أغنام وأبقار)، وذلك وفقاً لحجم الجرم المرتكب وطبيعته.
العربي الجديد