وتأتي هذه التطورات على وقع اتهامات بأن الحرب وتدخلات إماراتية وراء تهاوي العملة اليمنية، رغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الشرعية في هذا الإطار.
وحسب مصادر تستهدف الخطوات الإماراتية إشعال غضب الشارع من أجل إضعاف حكومة أحمد بن دغر وتعيين موالين لها في قطاعات مختلفة.
وقطع محتجون غاضبون، أمس عدداً من الشوارع الرئيسة في محافظة عدن، بسبب انهيار العملة المحلية مقابل نظيراتها الأجنبية، وغلاء المعيشة الناتج عنه.
وينذر الغضب المتصاعد، بامتداد الاحتجاجات إلى مدن ومحافظات أخرى، بعدما ضاقت الحياة بمعظم السكان، في ظل عجز الرئاسة والحكومة عن حل المشكلة.
وهبطت أسعار العملة المحلية بنحو حاد مقابل العملات الأجنبية، خلال الأيام القليلة الماضية، بعدما وصل سعر الدولار الواحد إلى أكثر من 620 ريالا يمنيا في عدن، أمس، مقارنة بنحو 513 ريالا منتصف الشهر الماضي، الأمر الذي فاقم من معاناة السكان.
وتسبب هبوط الريال بشكل مضاعف، منذ منتصف أغسطس 2018، في ارتفاع أسعار السلع المستوردة من الخارج على المستهلك المحلي.
وأكد مواطنون أن الأسعار ترتفع يومياً، بسبب تقلبات الصرف وتراجع الريال إلى أدنى مستوياته على الإطلاق.
وقال أحمد درهم، وهو موظف من صنعاء، "شاهدت طفلا يبكي أمام المخبز لأنهم أعطوه أربعة أرغفة بـ100 ريال وكان يشتري بها 6 أرغفة نهاية الأسبوع الماضي".
وحتى مطلع عام 2017، كانت الأسرة المكونة من 4 أفراد تشتري 10 أرغفة بـ100 ريال، حسب الموظف اليمني.
وقال تجار إن سعر الأرز عبوة 50 كغم ارتفع من 28 ألف ريال (59 دولارا)، في منتصف أغسطس، إلى 34 ألف ريال إلى 35 ألف ريال (74 دولارا)، في الأول من سبتمبر الجاري، كما ارتفعت أسعار الحليب والفاصوليا والزبادي والمياه المعدنية والأدوية بنسب تتراوح بين 30 و50%.
وذكر تقرير صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية رافقته زيادة في نسبة الفقر، لتصل إلى 85% من إجمالي السكان البالغ عددهم 27.4 مليون نسمة.
وأشار التقرير إلى ارتفاع أسعار السلع بنسبة 60% خلال عامين ونصف العام منذ بدء الحرب، لافتاً إلى تردّي الوضع الإنساني، لا سيما في ظل عدم تسليم مرتبات الموظفين الحكوميين، للشهر الحادي عشر على التوالي.
وإذا كان تدهور معظم القطاعات الإنتاجية بسبب الحرب التي يقودها التحالف العربي بقيادة السعودية منذ أكثر من 3 سنوات سبباً مباشراً في انهيار الريال، فإن مسؤولين في الحكومة الشرعية أكدوا على وجود تدخلات سياسية وراء تسارع انهيار العملة المحلية.
وزير النقل في الحكومة اليمنية الشرعية، صالح الجبواني، ألمح، أول من أمس، إلى دورٍ تلعبه الإمارات، من خلال المليشيات التي تدعمها، بانهيار أسعار العملة المحلية، وقال: "من عجز عن إسقاط الحكومة بالسلاح يحاول إسقاطها بالدولار، ليبدأ عصر المليشيات".
وأوضح الجبواني، في تغريدة على حسابه الشخصي في موقع "تويتر"، أن السبب في انهيار العملة هو سلطات الأمر الواقع الانقلابية في صنعاء، والكيان الموازي للدولة المفروض بقوة السلاح الذي شكله طرف في التحالف ليحل محل الحكومة في عدن"، إشارة إلى ما يُسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتياً.
وكشف مسؤول حكومي عن وقوف السعودية والإمارات خلف انهيار العملة، بهدف إضعاف الحكومة الشرعية، وهو مطلب قديم لأبوظبي التي استخدمت جميع الوسائل، بما فيها التمرد المسلح وفشلت، لكن الوضع، حسب المسؤول، يختلف هذه المرة بحدوث تغير واضح في الموقف السعودي الذي انحاز للإمارات.
وأوضح المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن العلاقة بين رئيس الحكومة اليمنية والقيادة السعودية متوترة للغاية، بعد وقوف الرياض خلف أبوظبي في العمل على استعادة رجال النظام القديم، والتي بدأت من خلال تشكيل ما يسمى "اللجنة الاقتصادية".
وأصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، 8 أغسطس، قراراً جمهورياً بتعيين حافظ معياد مستشاراً له ورئيساً للجنة الاقتصادية، بدون تفاصيل عن اللجنة ومهامها وأعضائها، قبل أن يكشف معياد، 27 أغسطس، عن قرار رئاسي يحدد أعضاء اللجنة نشره في صفحته بموقع التواصل الاجتماعي.
ومعياد يعد أبرز النافذين في نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ويوصف بأنه "الذراع الاقتصادية لصالح"، ومدير استثمارات العائلة، وشغل عدة مناصب رفيعة منذ عام 2001، حيث تولى رئاسة مصلحة الجمارك، قبل أن يصبح رئيسا لبنك التسليف الزراعي الحكومي (كاك بنك) في 2003، ثم رئيسا للمؤسسة الاقتصادية اليمنية في 2010.
ومن المقرر أن تعقد اللجنة الاقتصادية الجديدة اجتماعها الأول، خلال الأسبوع الجاري، في العاصمة السعودية الرياض، لتعلن عن خطة اقتصادية وإجراءات لإنقاذ الريال، سيحدث بعدها تحسن في قيمة العملة اليمنية، فيزيد رصيد معياد ليتم تصعيده في منصب أعلى، حسب المسؤول اليمني.
وبدأ التوتر في علاقة بن دغر والرياض منذ مطلع العام الجاري، حين أعلنت السعودية عن وديعة نقدية بملياري دولار لليمن، منتصف يناير الأول الماضي، ثم تراجعت واشترطت تغيير محافظ البنك المركزي، ثم أعلنت مرة أخرى، منتصف مارس، عن التوقيع على اتفاقية تسليم وديعة نقدية لليمن بملياري دولار، لكنها لم تحول المبلغ إلى الحسابات الخارجية للبنك المركزي.
وقال خبير مصرفي : "انهيار الريال بهذا الشكل الدراماتيكي غير طبيعي، ولا يستبعد أن أسبابا سياسية تقف خلف هذا التهاوي، خصوصا إذا كان معياد طرفاً، وهو رجل نافذ ولديه علاقات قوية مع شركات الصرافة وكبار الصرافين المؤثرين في سوق الصرف، والذين يستطيعون خلق أزمة طلب على الدولار باستخدام المضاربة".
ويرجع ارتباط معياد بالقطاع المصرفي إلى فترة توليه رئاسة بنك التسليف التعاوني الزراعي الحكومي (كاك بنك) لعدة سنوات في عهد صالح.