قبل عامٍ من اليوم وحتى قبل عامين، كان السؤال نفسه منطقياً بالتزامن مع حلول 26 مارس لكن الفارق اليوم أن السؤال اتسعت دائرته خلال ما يقارب العام على الأقل، فبينما كان المسؤولون اليمنيون في الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، يسارعون إلى سرد المبررات، أفضت التطورات إلى مرحلة تقود إلى إجابات لا تقبل الجدل، عندما يخرج مسؤول يمني كان من بين يمنيين معدودين بالقرب من غرف القرار، ليطرح اليوم السؤال ذاته.
فيما تؤدي الإجابة إلى أن التحالف، الذي قدّم نفسه منقذاً وداعماً للحكومة الشرعية قبل ثلاث سنوات، بات في معركة معها، كنتيجة لأحد ثلاثة احتمالات: أن الحكومة اليمنية فشلت، أو أن التحالف فشل، أو أنه استغلها لتنفيذ أجندة لا تؤدي لإعادة "الشرعية"، أو حتى هزيمة مليشيا الحوثي
السلاح وإيران
خلال ساعة تقريباً من بدء "عاصفة الحزم" قبل ثلاث سنوات، كان من المستحيل تقريباً، أن يهدد الحوثيون طائرةً للتحالف تطير في الجو، بعد أن سيطر على كامل الأجواء والمياه اليمنية ودمر المواقع التقليدية للدفاع الجوي. غير أنه بعد سنوات من القصف الجوي المكثف، يعترف التحالف لأول مرة، بامتلاك الحوثيين صواريخ دفاع جوي، بعد استهداف إحدى المقاتلات، وهو مثال على المسار الذي اتخذته الحرب.
فعلى الرغم من الدمار الواسع الذي طاول البلاد، دولة واقتصاداً ومؤسسات، وخلق منها المأساة الإنسانية الأسوأ في العالم، إلا أن الحرب والسلاح وحدهما ينتعشان في كل الأحوال.
ومنذ شهور غير قليلة، بات معتاداً أن يُصدر التحالف، عقب كل صاروخ باليستي ينطلق باتجاه السعودية أو عملية نوعية في جبهات الحرب الممتدة على العديد من المحافظات، بياناً يتضمن فقرات متشابهة، تتهم إيران بخرق القرار الدولي 2216 والصادر في 2015، من خلال تهريب أسلحة وقدرات نوعية إلى الحوثيين، وهو واحد من المبررات التي يواجه بها التحالف تساؤلاً: لماذا تستمر الحرب؟
تقرير فريق الخبراء الخاص بالعقوبات في ما يتعلق باليمن، ومثله تصريحات أميركية متواترة، دعمت الاتهامات الموجّهة لإيران بتزويد الحوثيين بأسلحة خلال فترة الحرب، خصوصاً مع ظهور صواريخ باليستية خلال العام 2017 بمدى أطول، لم يكن معروفاً بوجوده ضمن مخزون الجيش اليمني الذي سيطر عليه الحوثيون.
أما مليشيا الحوثي فقالت إن هذه الصواريخ خضعت للتطوير بأيدٍ يمنية، بينما يصر التحالف على أنها دعم إيراني، وتحديداً الصواريخ التي استهدفت مطار الرياض وقصر اليمامة ومدينة ينبع في النصف الأخير من العام الماضي. ومع ذلك، فإنه من غير المنطقي أن تكون إيران وحدها السبب في امتداد الحرب لسنوات وهي تخترق كافة إجراءات الأمم المتحدة والتحالف الرقابية براً وجواً وبحراً. فلماذا تستمر الحرب إذاً؟
المناطق المحررة
كانت الأشهر الأولى للحرب، وتحديداً في النصف الأخير للعام 2015، هي المرحلة التي حدثت خلالها تحوّلات عسكرية بارزة، تمثّلت بإجبار الحوثيين على الاندحار أو إنهاء سيطرتهم في عدن والمحافظات الجنوبية. وفي العام 2016 توجّهت جهود التحالف بواجهة قيادة إماراتية في المحافظات الجنوبية لمحاربة تنظيم "القاعدة"، وإنشاء قوات مناطقية موالية لها، وتحديداً "الحزام الأمني" ولاحقاً "النخبة الحضرمية" و"النخبة الشبوانية".
ومع استمرار الحرب الطاحنة التي تستنزف مختلف الأطراف بأعداد كبيرة وبوتيرة لا تهدأ حتى تعود، كان العام 2017 كفيلاً بإزاحة الستار عن الكثير من الأجوبة، التي تساعد في فهم مسار التطورات في اليمن.
في فبراير 2017، وعقب توتر أمني في مطار عدن الدولي، غادر الرئيس عبدربه منصور هادي المدينة التي يصفها بـ"العاصمة المؤقتة"، بعد أن كان بقاؤه محدوداً في الأصل، والسبب هو اشتباك بين قوات موالية للشرعية وأخرى موالية لأبوظبي. أما في مايو، فقد شهد اليمن، تحوّلات مفصلية خلال الحرب، تمثّلت بولادة انقلاب مدعوم من التحالف في "العاصمة المؤقتة" نفسها.
تكشف الأحداث منذ نحو 10 أشهر أن ممارسات التحالف حوّلت المناطق "المحررة" إلى مناطق "محتلة" يرجع قرارها لأبوظبي
بدأت الأزمة بإطاحة الرئيس هادي بحليف أبوظبي محافظ عدن، عيدروس الزبيدي، في 27 أبريل، وبعد ما يقرب من أسبوع، كانت عدن على موعد مع تصعيد وتأسيس ما يُسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي"، كهيئة سياسية انفصالية، قدّمت نفسها كسلطة تأسيسية لجنوب اليمن، الذي ينادي المجلس بانفصاله. هذا التحوّل الكبير، سرعان ما جرى احتواؤه نسبياً من قبل التحالف، بوضع خطوط لتصعيد الانفصاليين، بما يبقي "الشرعية" كغطاء يحتاجه التحالف لتدخّله في اليمن.
ومنذ ما يقارب العشرة أشهر، كشفت الأحداث تلو الأخرى، عن ممارسات التحالف، بتحويل المناطق اليمنية التي يُطلق عليها "محافظات محررة"، إلى مناطق "محتلة"، يرجع قرارها الأول لأبوظبي، وتُطرد منها الحكومة الشرعية، ليبدو وكأن التحالف وضع يده على المناطق الاستراتيجية في اليمن، بما في ذلك الجزر والمناطق التي يشرف من خلالها اليمن على باب المندب، ليجعل منها مناطق خاضعة له وليس للحكومة الشرعية كما تم الادعاء.
مراحل صراع الحكومة-التحالف
في البدء كانت علامات الاستفهام التي تُوضع حول تصرفات التحالف أو أبوظبي على وجه التحديد، تصدر من معارضين لسياستها، فيما يلتزم الجانب الحكومي الصمت أو يضطر إلى نفي وجود أي خلافات، نظراً للموقف الضعيف للحكومة اليمنية واعتمادها على دعم التحالف إلى حد كبير. ومع ذلك، فقد تعدّت الممارسات حدودها مع بدء العام 2018، ليصحو اليمنيون على مواجهات عنيفة تقترب من القصر الرئاسي في عدن، بين القوات الموالية للإمارات وبين الحماية الرئاسية التابعة للشرعية، بملابسات لا تبتعد كثيراً عما كان عليه الحال في صنعاء قبل أكثر من ثلاث سنوات، عندما سيطر الحوثيون على العاصمة بالتحالف مع الموالين للرئيس الراحل علي عبدالله صالح.
عقب أحداث يناير الثاني الماضي، بدا الأمر أكثر وضوحاً للوصول إلى الإجابات الكبيرة المتعلقة بالأزمة اليمنية، أو تفكيك خيوطها على الأقل، إذ أكدت الحكومة أن القرار الأول في عدن لأبوظبي. وفي وقتٍ لاحق، خرج وزير النقل في الحكومة صالح الجبواني، ليتحدث أمام الكاميرات كيف أن الجنوب اليمني تحول إلى ساحة للعنف وانتشار التنظيمات الإرهابية، وكيف أن الإمارات والقوات التي أسستها، تمنع الحكومة من أداء مهامها.
بعد سنوات من القصف المكثف، يعترف التحالف بامتلاك الحوثيين صواريخ دفاع جوي
وفي السياق ذاته تتابعت الأحداث، لتكشف عن آراء أخرى في الحكومة اليمنية، على مستوى رفيع، تضع علامات استفهام كبيرة حول ممارسات التحالف وتتهمه بالانحراف، ومن ذلك نائب رئيس الحكومة، وزير الخدمة المدنية المستقيل، عبدالعزيز جباري، الذي أعلن في مارس الحالي، أن الرئيس اليمني لا يستطيع العودة إلى البلاد. كما اتهم التحالف بالتعامل بـ"عدم احترام" مع اليمن، وأكد الحاجة إلى مراجعة العلاقة بين اليمن ودول التحالف، كشراكة وعلاقة ودية وليس تابعاً ومتبوعاً. على أن اتهاماته وتلميحاته الخطيرة التي أطلقها من الرياض، لم تستثن السعودية، بالإشارة إلى ترحيل الرياض للمغتربين اليمنيين، كقضية خطيرة وذات أولوية بالنسبة لليمنيين.
على ضوء ما سبق، لم تعد الإجابات حول تواصل الحرب أسراراً، فوزير ثالث في الحكومة اليمنية، وهو صلاح الصيادي، يستقيل، ويتحدث حرفياً في استقالته عن "انحراف بوصلة أهداف وغايات عاصفة الحزم وإعادة الأمل من قبل بعض أطراف التحالف العربي"، وأن اليمن أصبح مهدداً بالتشرذم إلى كانتونات "تتحكم بها مليشيات مسلحة مدعومة بكل ما يلزم مادياً وعسكرياً في مقابل تقليص وأحياناً منع الدعم عن المؤسسات الأمنية والعسكرية التي تتبع مؤسسة الدولة الشرعية".
كما يشير في نص الاستقالة نفسه، إلى "عرقلة أعمال الحكومة وجهودها الحثيثة في إعادة تطبيع الحياة في المناطق المحررة وإيقاف الدعم عنها نهائياً منذ أكثر من عام وتعطيل كل المرافق والمؤسسات الإيرادية في معظم المناطق المحررة لحرمان الحكومة من القيام بواجباتها"، وصولاً إلى ترحيل المغتربين اليمنيين (العمالة اليمنية في السعودية)، في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد.
بالترافق مع ذلك، تكشف التطورات عن رسالة حكومية إلى مجلس الأمن الدولي، تذهب إلى ما ذهب إليه تقرير فريق الخبراء، من أن القوات التي أنشأتها الإمارات لا تتبع الشرعية اليمنية ومؤسساتها وأنها تضع العوائق في طريقها، ليبدو أن الأسئلة حول استمرار الحرب، لم تعد لغزاً كبيراً، فالإجابات انتقلت من التحليلات والتعليقات السياسية إلى وثائق رسمية يمنية، تشير إلى التحالف، وكأنما تحول من "منقذ" من الحوثيين في 2015 إلى "محتل" مع مطلع العام 2018.
من المسؤول؟
كل هذه الملفات تقود إلى السؤال مجدداً: هل عجز التحالف عن حسم الحرب عسكرياً في اليمن أو إيقافها خلال ثلاث سنوات، بسبب الدعم الإيراني وقوة الحوثيين بالوقوف أمام الآلية العسكرية للعديد من الدول وبتأييد من أغلب القوى اليمنية التي تقف على الضد من الجماعة؟ أم أن التحالف، أبقى على الحرب تستنزف مختلف الأطراف بما فيها الموالية للشرعية شمالاً، لأهداف مختلفة، من بينها الحاجة للوصول إلى خارطة مختلفة لليمن تضعف معها مختلف القوى، حتى يتسنى تحقيق مصالح بالسيطرة على أجزاء من اليمن، كالجنوب والشرق والساحل الغربي؟
لم تعد الأسباب العسكرية الصرفة وحدها مبرراً كافياً لاستمرار الحرب في اليمن
يُقدّر التحالف المناطق التي لا تزال خاضعة للحوثيين بـ15 إلى 20 في المائة من مساحة اليمن، والواقع أنه في هذه المساحة يسكن أغلب اليمنيين، وتوجد إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، حيث أكثر من 20 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات، ملايين منهم يعيشون أوضاعاً تشبه المجاعة، وتنتشر الأوبئة وأصناف المعاناة، فضلاً عن جبهات القتال.
في المجمل يبدو أن الأسباب العسكرية الصرفة، لم تعد وحدها مبرراً كافياً للإجابة على سؤال استمرار الحرب في اليمن، أياً تكن قوة الحوثيين، خصوصاً بعد نهاية تحالفهم مع صالح ومقتله، وما تلا ذلك من تحوّل الجماعة إلى خصم وحيد، لتتآزر مختلف المعطيات عن أن ثمة انحرافاً ومساراً غيّر الأهداف المعلنة، بإعادة الحكومة الشرعية ومحاربة انقلاب الحوثيين المدعومين من إيران.
وسواء كان التحول ناتجاً عن تخبّط التحالف ومرتبطاً بحسابات رجل القرار الأول في الحرب، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أو كان ناتجاً عن خلافٍ بين عمودي التحالف (الرياض وأبوظبي)، أو على افتراض وجود مصالح دولية نشأت مع الحرب لبيع الأسلحة وغيرها مما يؤدي إلى أطراف مستفيدة من استمرار الحرب، أو على افتراض أن تقسيم اليمن كان هدفاً غير معلن لدول محورية في التحالف، كل ذلك، لا يلغي نتيجة واحدة، وهي أن استمرار الحرب الكارثية في اليمن، مرتبط بحسابات التحالف.
كذلك يبدو أن إنقاذ اليمن، كما تم تصويره مع بدء الحملة العسكرية، وصل بعد ثلاث سنوات إلى ما لم يكن بالحسبان، فالتحالف لم ينهِ انقلاب مليشيا الحوثي بل خلق انقلاباً جديداً في المناطق الجنوبية والشرقية وحوّل اليمن إلى تجمّع كبير للفقراء والمنكوبين على مختلف المستويات.