وخلال السنوات التي سبقت الحرب 2014، كان أحمد عبدالرحمن قد استقر على اعتكاف العشر الأواخر، في جامع السعيد وسط مدينة تعز، هناك، كما يقول «كنا نجتمع قرابة 25 شخصاً من مختلف المديريات، وكان أحدهم من مديرية قدس يتكفل بالوجبات كاملة، نتآلف ونشعر بروحانية واطمئنان».
كانت المسافة التي تصل بين قرية الذراع، التي يسكنها الحداد، ومنطقة عصيفرة حيث جامع السعيد، لا تزيد عن 15 كيلو تقطعها المركبات بالحد الأقصى 30 دقيقة، غير أنه الآن يحتاج إلى 7 ساعات على الأقل يمر بطريق وعر عبر سلسلة جبلية المرور منها مجازفة.
يقول الحداد "الطريق غير الطريق والزمن غير الزمن" ويشير أن قيمة المواصلات كانت لا تزيد عن 150 ريالاً، أما الآن فتحتاج إلى سبعة آلاف أجرة السيارة وقد لاتصل إلى المدينة، ويعلق ضاحكًا:"أمي ذهبت إلى الحج بخمسة آلاف سرحة ورجعة زمان".
ويتمركز مقاتلو الحوثي على امتداد شارع الستين القريب من المدينة، والذي يمتد من الذكرة شرقًا وحتى مفرق شرعب غربًا، بما يشبه طوق على المدينة ما يعقد وصول الناس إليها، خاصة بعد إغلاق الطرقات أمام العابرين وتحديد طريق شاق تتخلله النقاط المسلحة التي تبتز المواطنين بهوياتهم.
لقد مضت أربع سنوات على آخر مرة زار فيها الحداد المدينة، يؤكد أنه يتواصل مع القدسي الذي أخبره هو الآخر بأنه لم يعد يعتكف في جامع السعيد، واكتفى بإقامة الطقس في القرية.
ويشير الحداد بأن الإعتكاف هناك صار من الذكريات الجميلة، أما هذه السنة فقد تردت الأوضاع إلى أضعف المستويات، في مسجد القرية لا يتجاوز المعتكفين عدد أصابع اليد، يجلس إلى جواره علي مهيوب الذي يشير: هذه السنة حاربونا حتى الشفوت، في إشارة للأزمة التي تشهدها اليمن في هذا الشهر في "الزبادي، والحقين" حيث وصل سعر العلبة الصغيرة إلى 170 ريالاً، يُحصل عليها بعد الاصطفاف ـ أحيانًا ـ في طوابير داخل مدينة تعز.
وتشهد المساجد اليمنية عامة، نقصًا هائلًا في أعداد المعتكفين مقارنة بسنوات ما قبل الحرب، مسجد معاذ يخلو من أي معتكف، أما في مسجد السلام، فبداخله معتكف واحد، يؤكد بأنه في 2013، كان يعتكف بمعية سبعة أشخاص على الأقل، أحدهم استشهد داخل المدينة، وآخران اغتربا، والبقية تشتتوا.
وإضافةً للحرب وتداعياتها، يربط متابعون تناقص المعتكفين في المناطق الواقعة تحت سيطرة المليشيا الحوثية، إلى ممارسات الحوثيين التي لا تخلو من صبغة طائفية، كما فعلت خلال شهر رمضان بمنع تأدية صلاة التراويح في بعض مساجد صنعاء، والسماح بها في البعض الآخر بعد تعميم لمنع مكبرات الصوت لنقل هذه الشعيرة، في الوقت الذي تستخدم فيه المكبرات ذاتها لنقل خطابات زعيم جماعة الحوثي.